حكم حلق اللحية

Publié le par assiddighoufoullaani

----.jpg

عباس - مصر

ما حكم حلق اللحية؟

 

المفتي : د. رجب أبو مليح

حلق اللحية اختلف حوله الفقهاء بين مَن يقول بالتحريم ومَن يقول بالكراهة ومَن يقول بالجواز، ولكلٍّ أدلته التي يعتمد عليها، وما نرجحه للفتوى أن إعفاء اللحية سنةٌ مؤكدةٌ يثابُ فاعلها ولا يأثم حالقها، وقد يختلف أمر اللحية باختلاف الأشخاصِ والزمان والمكان.

 

فقد يكون إعفاؤها واجبًا إذا تعلَّق بها واجبٌ آخر كالدعوة إلى الله في بعض البلاد التي لا تتيسر إلا لمَن أعفى لحيته، حيث لا يقبل الناس منه حلالاً ولا حرامًا ولا أمرًا ولا نهيًا إلا إذا أطلق لحيته، وكما قرَّر الفقهاء أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فيصبح إعفاء اللحية في حق هذا الرجل واجبًا، وقد يكون مندوبًا أو مكروهًا أو محرمًا إذا فتن المسلم في دينه ومنع عن الدعوة أو هُدد في رزقه أو في بدنه وغير ذلك.

 

يقول فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق في فتوى عن موضوع اللحية:

من المسائل الفقهية الفرعيَّة: موضوع اللحية، حيث تَكاثر الخلاف حولها بين الإعْفاء والحلْق، حتى اتَّخذ بعض الناس إعفاء اللحية شعارًا يُعرف به المؤمن من غيره.

 

والحق أن الفقهاء اتفقوا على أن إعفاء اللحية، وعدم حلْقها مأثور عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فقد كانت له لِحيةٌ يُعنَى بتنظيفها وتخليلها، وتمشيطها، وتهذيبها لتكون متناسبة مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة.

 

وقد تابع الصحابة- رضوان الله عليهم- الرسول- صلى الله عليه وسلم- فيما كان يفعله وما يختاره.

 

وقد وردت أحاديثُ نبويةٌ شريفة تُرغِّب في الإبقاء على اللحية، والعناية بنظافتها، وعدم حلْقها، كالأحاديث المُرغِّبة في السواك، وقصِّ الأظافر، واستنشاق الماء.

 

وممَّا اتفق الفقهاء عليه أيضًا أن إعْفاء اللحية مَطلوب، لكنهم اختلفوا في تكييف هذا الإعفاء، هل يكون من الواجبات أو مِن المندوبات، وقد اختار فريق منهم الوجوب، وأقوى ما تمسَّكوا به ما رواه البخاري في صحيحه (فتح الباري بشرح صحيح البخاري جـ 10 ص: 349، مكتبة الغزالي بدمشق- مؤسسة مناهل العرفان ببيروت). عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خالِفُوا المُشركينَ، ووَفِّرُوا اللِّحى، واحْفُوا الشوارب".

 

وما رواه مسلم (صحيح مسلم بشرح النووي جـ 3 ص: 146 ـ 147 ط. دار الكتب العلمية) في صحيحه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احْفُوا الشوارِبَ واعْفُو اللِّحَى"، حيث قالوا: إن توفيرها مأمور به، والأصل في الأمر أن يكون للوجوب إلا لصارفٍ يَصْرِفُهُ عنه، ولا يُوجد هذا الصارف، كما أن مُخالفة المشركين واجبةٌ، والنتيجة أن توفير اللحْية، أيْ: إعفاءها واجبٌ.

 

قال الإمام النووي (المرجع السابق ص: 151) في شرحه حديث: "احْفُوا الشوارب واعْفوا اللِّحَى": إنه وردت رواياتٌ خمسٌ في ترْك اللحْية، وكلها على اختلافها في ألفاظها تدلُّ على ترْكها على حالها.

 

وممَّا رَتَّبُوه على القول بوُجوب إعفاء اللحية: ما نقله ابن قدامة الحنبلي (جـ 8 ص 433 باب التعزير في الإسلام) في المُغني: أن الدية تجب في شَعْر اللحية عند أحمد، وأبي حنيفة والثوري، وقال الشافعي ومالك: فيه حكومة عدْلٍ، وهذا يُشير إلى أن الفقهاء قد اعتبروا إتلاف شَعر اللحية حتى لا يَنبت جِنايةٌ من الجنايات التي تَستوجب المُساءلة: إما الدية الكاملة كما قال الأئمة أبو حنيفة وأحمد والثوري، أو دِية يُقدرها الخبراء كما قال الإمامان: مالك والشافعي.

 

وذهب فريقٌ آخر إلى القول بأن إعفاء اللحية سُنَّة يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، وحلْقها مَكروه، وليس بحرام، ولا يُعَدُّ مِن الكبائر، وقد استندوا في ذلك إلى ما رواه مسلم (صحيح مسلم بشرح النووي جـ 3 ص: 147 ط. دار الكتب العلمية- ببيروت) في صحيحه عن عائشة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "عشْرٌ مِن الفطرة: قصُّ الشارب، وإعفاء اللحْية، والسواك، واستنشاق الماء، وقصُّ الأظفار، وغسْل البراجِم (البراجم: مَفاصل الأصابع من ظهر الكف "بتصرُّف: مختار الصحاح").ونَتْفُ الإبِط، وحلْق العانَة، وانتقاص الماء (انتقاص الماء: يعني الاستنجاء). قال مصعب: ونسيتُ العاشرة إلا أن تكون المَضمضة.

 

حيث أفاد الحديث أن إعفاء اللحية من السُنَن والمَندوبات المَرغوب فيها إذ كل ما نصَّ عليه من السُنَن العادية.

 

وقد عقَّب القائلون بوُجوب إعفاء اللحية على القائلين بأنه مِن سُنَنِ الإسلام ومَندوباته بأن إعفاء اللحية جاء فيه نصٌّ خاصٌّ أخرجها عن الندْب إلى الوُجوب، وهو الحديث المذكور سابقًا"خالِفوا المُشركين..".

 

وردَّ أصحاب الرأي القائل بالسُنَّة والندْب بأن الأمر بمُخالفة المُشركين لا يتعيَّن أن يكون للوُجوب، فلو كانت كلُّ مُخالفةٍ لهم مُحتَّمة لتحتَّم صبْغ الشعر الذي وَرَدَ فيه حديث الجماعة: "إن اليهود والنصارى لا يَصبغون فخَالِفُوهم". (رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ـ التاج الجامع للأصول جـ 3 ص: 173) مع إجماع السلف على عدم وُجوب صبْغ الشعر، فقد صبَغ بعض الصحابة، ولم يصبغ البعض الآخر كما قال ابن حجر في فتح الباري، وعزَّزوا رأيهم بما جاء في كتاب نهج البلاغة (جـ 2 ص: 141): سُئل عليٌّ كرَّم الله وجهه عن قول الرسول- صلى الله عليه وسلم-:"غيِّروا الشَّيْبَ ولا تَشَبَّهُوا باليهود".

 

قال: إنما قال النبي ذلك والدِّينُ قُلٌّ، فأما الآن وقد اتَّسع نطاقه، وضرب بجرانه فامرؤٌ وما يَختار..

 

مِن أجل هذا قال بعض العلماء: لو قيل في اللحْية ما قيل في الصبْغ مِن عدم الخُروج على عرف أهل البلد لكان أولَى، بل لو تركت هذه المسألة وما أشبهها لظُروف الشخص وتقديره لمَا كان في ذلك بأس.

 

وقد قيل لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة- وقد رُؤي لابسًا نَعْلَيْنِ مَخْصُوفيْن بمَسامير- إن فلانًا وفلانًا من العلماء كرِهَا ذلك؛ لأن فيه تَشَبُّهًا بالرهبان فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسُ النعال التي لها شعْر، وإنها مِن لبس الرهبان.

 

وقد جرَى على لسان العلماء القول: بأن كثيرًا ممَّا ورَد عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- في مثل هذه الخِصال يُفيد أن الأمر كما يكون للوُجوب يكون لمُجرد الإرشاد إلى ما هو الأفضل، وأن مُشابهة المُخالفين في الدِّين إنما تَحرُم فيما يُقصد فيه الشبه بشيء مِن خصائصهم الدينية، أمَّا مُجرَّد المشابهة فيما تجري به العادات والأعراف العامة فإنه لا بأْس بها ولا كَراهة فيها ولا حُرمة.

 

لمَّا كان ذلك كان القول بأن إعفاء اللحية أمر مَرغوب فيه، وأنه من سُنَن الإسلام (بيان للناس جـ 2 ص: 328، الفتاوى الإسلامية جـ 10 ص: 3478، جـ 9 ص: 3018). لتي ينبغي المحافظة عليها مقبولاً، وكان مَن أعفَى لحْيته مُثابًا، ويُؤجَر على ذلك، ومَن حلَقها، فقد فعل مَكروهًا، لا يأثَمُ بفِعله هذا اعتبارًا لأدلة هذا الفريق.

 

السلام عليكم ورحمة الله:

سبق أن نقلنا أقوال العلماء في اللحية وكانت كالآتي:

1-قول جمهور العلماء الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية تحريم حلق اللحية.

2-قول جمهور الشافعية وبعض المالكية بكراهة حلق اللحية وتبعهم بعض المعاصرين كالشيخ القرضاوي وغيره.

3-قول بعض الحنفية المتأخرين باستحباب إعفاء اللحية وليس الوجوب وتبعهم عليه بعض المعاصرين كالشيخ جاد الحق -شيخ الأزهر السابق-.

4-قول بعض المعاصرين بأنه اعفاء اللحية من العادات فقط كالشيخ شلتوت والشيخ محمد أبو زهرة -رحمهما الله- وغيرهما.


هذه هي الآراء التي اتضحت لدي بعد طول بحث في الموضوع ولكل دليله الناشئ عن اجتهاده.

أنا شخصيا -ولست أهلا للترجيح- أرجح الوجوب لأدلة يطول ذكرها.

هذا بالنسبة للحكم الأصلي.

بالنسبة لتطبيق الحكم فالأمر يختلف أنا شخصيا اعمل وافهم ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم)(ص 176-177) في معرض حديثه عن مخالفة الكفار في الهدي الظاهر يقول رحمه الله وأجزل مثوبته:

((إن المخالفة لهم لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم يشرع المخالفة لهم فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع ذلك ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر لما عليه في ذلك من الضرر بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والإطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة.

فأما في دار الإسلام والهجرة التي أعز الله فيها دينه وجعل على الكافرين بها الصغار

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article